ماذا تعرف عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم - الجزء الثاني _( مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ) من البعثة إلى الهجرة


 

الجزء الثاني 

بعثته  صلى الله عليه وسلم :

 كانت بعثته صلى الله عليه وسلم عندما بلغ  أربعين سنة ، ونزل عليه الملك جبريل عليه السلام  بغار حراء يوم الاثنين 17  رمضان، وكان صلى الله عليه وسلم  إذا نزل عليه الوحي اشتد ذلك عليه وعرق جبينه وتغيّر وجهه.

وعندما  نزل عليه الملك قال له : اقرأ.. قال: لست بقارئ، فغطاه الملك حتى بلغ منه الجهد، ثم قال له : اقرأ. فقال: لست بقارئ ثلاثاً. ثم قال : " اقْرأْ بِاسْمِ رَبّكَ الَّذي خَلَقَ، خَلَقَ الإنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ ورَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ " (سورة العلق:1-5) . فعاد  رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجته السيدة  خديجة رضي الله عنها وهو يرتجف، فأخبرها بما حدث له في غار حراء ، فثبتته وقالت له : أبشر،  والله لا يخزيك أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحملُّ الكَلَّ، وتعين على نوائب الدهر.

ثم فتر الوحي، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يمكث لا يرى شيئاً ولا يأتيه الوحي ، فاغتم لذلك واشتاق إلى نزول الوحي، ثم تبدى له الملك بين السماء والأرض على كرسيّ، وثبته، وبشره بأنه رسول الله حقاً، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف منه وذهب إلى السيدة  خديجة رضي الله عنها  وقال لها : زملوني.. دثروني، فأنزل الله عليه : " يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّر، وَثِيَابَكَ فَطَهِّر" ( سورة المدثر:1-4 ) . فأمره الله تعالى في هذه الآيات أن ينذر قومه، ويدعوهم إلى الله،  فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفور  يدعو إلى الإسلام سرا  الكبير والصغير، والرجال والنساء والحر والعبد  , فاستجاب من كل قبيلة أناس أراد الله تعالى فوزهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، فدخلوا في الإسلام  وآمنوا بالله الواحد الأحد  فأخذهم كفار  مكة بالأذى والسخرية  فصبروا على الأذى ومنهم من قتله كفار مكة وكانت السيدة سمية  بنت خياط ام عمار بن ياسر أول شهيدة في الإسلام ، وصان الله رسوله وحماه بعمه أبي طالب الذي وقف مدافعا وحاميا له من كيد كفار قريش .

قال ابن الجوزي: وبقي ثلاث سنين يتستر بالنبوة، ثم نزل عليه: " فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر" ( سورة الحجر:9) . فأعلن الدعاء ( الدعوة ) . فلما نزل قوله تعالى: " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ "  ( سورة الشعراء :214 )، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا فهتف ( يا صباحاه! ) فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد! فاجتمعوا إليه فقال: ( أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا ما جربنا عليك كذباً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: تباً لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم قام، فنزل قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَا أبِي لَهَبٍ وَتَبْ } إلى آخر السورة.  ( متفق عليه )

 

صبره صلى الله عليه وسلم على الأذى:

 لقد لقي رسول الله  صلى الله عليه وسلم كثيراً من  الشدائد من قومه  وتحمل الأذى وهو صابر محتسب، وأمر أصحابه أن يخرجوا إلى أرض الحبشة فرارا من الظلم والاضطهاد فخرجوا.

قال ابن إسحاق: "  فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تطمع في حياته " .

 وروى أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " لما مات أبو طالب تجهَّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عم ما أسرع ما وجدت فقدك " .

وفي الصحيحين أيضا : " أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي، وسلا جزورٍ قريب منه، فأخذه عقبة بن أبي معيط، فألقاه على ظهره، فلم يزل ساجداً، حتى جاءت فاطمة فألقنه عن ظهره، فقال حينئذ:  اللهم عليك بالملأ من قريش " .

 وفي  البخاري:  " أن عقبة بن أبي معيط أخذ يوماً بمنكبه صلى الله عليه وسلم ، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه به خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر فدفعه عنه وقال أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟ "

 

 رحلته إلى الطائف و رحمته صلى الله عليه وسلم بقومه :

عندما  اشتد الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة  عمه  أبي طالب و وزوجته السيدة خديجة رضي الله عنها، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ليدعو قبائل ثقيف إلى الإسلام، فلم يجد منهم إلا الرفض  والسخرية والأذى، ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه، فقرر صلى الله عليه وسلم الرجوع إلى مكة. قال صلى الله عليه وسلم :  (  انطلقت – يعني من الطائف – وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب – ميقات أهل نجد – فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني، فنظرت، فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردّوا عليك، وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، ثم ناداني ملك الجبال، قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – جبلان بمكة – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً )  [ متفق عليه ] .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في كل موسم، فيعرض نفسه على القبائل ويقول: ( من يؤويني؟ من ينصرني؟ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ) .

وقد لقي  رسول الله صلى الله عليه وسلم  عند العقبة في موسم الحج  ستة نفر فدعاهم إلى الإسلام  فأسلموا، ثم رجعوا إلى المدينة فدعوا قومهم، حتى  انتشر الإسلام فيهم، ثم كانت بيعة العقبة الأولى والثانية، وكانت سراً، فلما تمت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرسالاً.

 

هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة :

لم تكن قريش تعلم أن الله أذن لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالهجرة إلى المدينة، وبينما هم يحيكون مؤامرتهم لقتل النبي صلى الله عليه وسلم كان النبي - صلى الله عليه وسلم ـ قد غادر بيته في ليلة السابع والعشرين من شهر صفر السنة الرابعة عشر من النبوة ، وأتى إلى بيت أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ في وقت الظهيرة متخفّياً على غير عادته، ليخبره بأمر الخروج والهجرة،  فاستأذن أبو بكر  في صحبته فأذن له، وكان قد جهّز راحلتين استعداداً للهجرة، واستأجر رجلاً مشركاً من بني الديل يُقال له عبد الله بن أُريقط خرّيتا( ماهرا وعارفا بالطريق)، ودفع إليه الراحلتين ليرعاهما، واتفقا على اللقاء في غار ثورٍ بعد ثلاث ليالٍ،  وقامت عائشة وأختها أسماء ـ رضي الله عنهما ـ بتجهيز المتاع والمؤن، وشقّت أسماء نطاقها نصفين لوضع الطعام فيه،  لذلك سمّيت من يومها بذات النطاقين، وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -  ابن عمه علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بأن يتخلّف عن الهجرة  ليؤدي عنه ودائع الناس وأماناتهم، وأن يلبس بردته ويبيت في فراشه تلك الليلة التي سيهاجر فيها إلى المدينة  . 

ثم غادر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو بكر ـ رضي الله عنه ـ المنزل  من باب خلفي، ليخرجا من مكة قبل أن يطلع الفجر. ولم يسلك النبي صلى الله عليه وسلم الطريق المعتاد  حتى لايتبعه المشركون ،  وسلك الطريق الواقع جنوب مكة والمتجه نحو اليمن، حتى بلغ إلى جبل يعرف بجبل ثور فتوجه إلى غار ثور، فأقاما فيه ثلاثاً،  ، وقام كل من عبد الله بن أبي بكر وعامر بن فهيرة وأسماء بنت أبي بكر بدوره  ثم دخل النبي صل الله عليه وسلم المدينة فتلقاه أهلها بالرحب والسعة، فبنى فيها مسجده ومنزله. وأسس صلى الله عليه وسلم في المدينة  دولة اسلامية قائمة على العدل والسلام والمحبة ,وآخى بين المهاجرين والأنصار وعقد المعاهدات مع اليهود الذين كانوا يسكنون المدينة .

لقد كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين  من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة انطلاقة لبناء دولة الإسلام وإعزازاً لدين الله تعالى, وفاتحة خير ونصر وبركة على الإسلام والمسلمين، ولذلك  فإن دروس الهجرة  النبوية الشريفة مستمرة لا تنتهي ولا ينقطع أثرها, وتتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل ( ومن أراد المزيد فليراجع كتب السيرة ) .

                                                  نتابع سيرته العطرة في الجزء الثالث  إن شاء الله

                              لقراءة الجزء الأول اضغط هنا

 

 

 

 

تعليقات